حامد بن عبدالله العلي كان يقال كلُّ عشر سنوات حرب أهلية في لبنان .. فإن كانت هذه حرب جديدة ، فقد وُضع فتيلها بإغتيال الحريري ، واشتعل بخطاب حسن نصر الأخير ، أمّـا متى سينفجـر ، فدخان الفتنة من تحت قدمي هذه الحزب قد بدأ ينتشـر ، والأجواء لا تبشـر بغير الحـرب .
غير أنَّ مسرح الحـرب كان قـد أعـدّ قبل اغتيال الحريري ، وقبل عام منه ، واكتمـل إعداده في مؤتمـر المانحين في باريس ، الذي كان هدفه غير المعلن إخراج سوريا من لبنان ، وكانت أمريكا تظن أنَّ الأمر سيكون ميسورا
ومعـلومٌ أن المشهد الذي يهيمـن عليه شبح الحرب في لبنان ، يختلف هذه المرة عما مضـى ، ذلك أنّ المنطقة الرمادية اللبنانية ـ وهو مصطلح عسكري يعني منطقة يوجد فيها عدوَّان يشتـركان في نفس الساحة ، حزب 14 آذار الذي يدور في فلك المشروع الأمريكي والصهيوني، وحزب 8 آذار الذي يدور في فلك المشروع الإيراني السوري ـ يُستخدم فيها كلُّ الأسلحة السياسية ، وليس آلات القتـل فحسب ، مما أدى إلى إصطفاف وراء استقطاب شديد على جميع المستويات ، فشلل المؤسسات ، فزيادة الضغوط الإجتماعية ، فوصول إلى اختنـاق شامـل
وهذا الإختنـاق في المشهد اللبناني ، ما هو إلاَّ صورة مصغَّـرة لإختناق أكبـر في المشهـد الكبير في المنطقة كلِّهـا ، سببُه تعاظـم الصراع الخفـيّ المعلن ، بين المشروعين الغربي الأمريكي الصهيوني ، والشرقي الإيراني السوري .
وإذا كان من المسلَّمات التي لاتقبل الشك ، أنّ الهجمة الأميركية على المنطقة من أفغانستان إلى لبنان ، مرورا بالعراق وفلسطين ، إلى الصومال والسودان ، ما هي إلاَّ محاولة لتشكيل مستقبل المنطقـة وفق مشروع المحافظين الجدد المتصهينين في أمريكا.
فإنَّ هجمة المشروع الإيراني ، محاولة أيضا لتشكيل المنطقـة بتكوين إيران الكبرى ، التي تمتد من إيران إلى لبنان ، مبتلعة العراق غربــا ، والخليج جنوبا إلى اليمن ، حيث يمهـِّد الحوثيون لهذا المشروع بتقــدّم مخيـف ، ويستـعد حوثيو الخليج لمثل ما يفعلـه إخوانهم في اليمـن ، وليس الأمر ببعيـد.
ومن اللاّفت أنَّ المشروع الإيراني الحالم بإيران الكبرى ، يتطلـّع شرقا أيضا ، فقـد عقـد مؤخَّـرا وزراء خارجية إيران ، وطاجيكستان ، وأفغانستان في دوشنبيه ، لقاء مكرِّسا للتحضير لعقد قمة ثلاثية للتوقيع على اتفاقية بإقامة مجلس اقتصادي للاتحاد الفارسي ، ولهذا فلايستبعد مراقبـون مطلّعـون ، وقوع طاجسكتان تحت النفوذ الإيراني كما وقعت سوريا، لاسيما بعد انحسار النفوذ الروسي.
ووفقا لهؤلاء فانَّ طهران التي تنظر لطاجيكستان على أنها جزء من إيران العظمى،سارعت لاستثمار ضعف مواقع روسيا ، وحصل الرئيس الطاجيكي من طهران ليس فقط على المساعدات الاقتصادية للخروج من أزمة الطاقة التي تعرضت لها الجمهورية، وإنما على الدعم في قضايا أخرى ، ولهذا وعـد الرئيس محمود احمدي نجاد ببناء سكة حديد تربط طاجيكستان بإيران عبر أفغانستان بتمويل إيراني ، وببناء محطتين كهروذريتين هناك ومركز طبي كبير في العاصمة دوشنبيه.
ولاريب أنَّ الساحة اللبنانية ، لها حساسيَّة بالغة في مشهد هذا الصراع الخطير بين المشروعين ، فهـي تقع على حدود الكيان الصهيوني الذي تخشـى عليه الإدارة الأمريكية أشـدَّ مما تخشى على واشنطن نفسها .
وإزدادت هذه الخشية بعد الهزيمة النكراء التي وقعت كالصاعقة على جيش الصهاينة في حرب تموز 2006م ، وتعاظم بعدها حزب حسن نصر في الساحة اللبنانيـة، أضعافا مضاعفة .
وفي ضوء تهديد هذا الحزب بمحـوْ الكيان الصهيوني من الوجود ، وإثباته القدرة على إبقاء هذا الكيان في دائرة الخطـر المستـمر ، إضافة إلى ما يعانـيه الصهاينة في الجبهـة الداخليـة من تصدّع ، وأزمات متعاقبة ، فإنَّ حرباً تشنّـها أمريكا والكيان الصهيوني ، على حزب حسن نصـر ، هي حـربٌ لامحيـد عنهــا .
وقد بلغت الأزمة التي أدت إلى تفجر الوضع في بيروت اليوم ، ذروتها عندما وضع الصهاينـة محطّـات تجسس في سنترالات الشبكة الهاتفية الرسمية ـ كما قالت تقارير صهيونية ـ ووظفوا 27 قمرا صناعيا دوليا ، و عشرات شبكات الجواسيس العربية ، و الدولية ، و اللبنانية ، لملاحقة حزب حسن نصر ، غير أنهم أخفقـوا في الاختراق الداخلي لهذا الحزب الذي نقطة قوته هي هذه الناحية .
فوضع حزب حسن نصر نفسه ، شبكة تجسسس إتصالاتية ضخمة ، تحت غطاء شركات إيرانية ، تراقـب كلَّ شيء حتّى المطار ، وتبين أن جميع إتصالات الحكومة اللبنانية ، والأطراف المتدخلة في لبنان تحت سمع استخبارات حزب نصر.
حتى إذا بلغ السيل الزبى ، اتخذت الحكومة اللبنانية التي تصفها المعارضة بغير الشرعية ، قرارات جريئة تهاجم انتشار حزب حسن نصر هجوماً مباشراً ، فأشعل الحزب نار الفتـنة ، وأظهـر دخانـها حتى علا سماء بيروت اليوم وأمس.
هذا ،، وإن الأيام القادمة لاتسيـر سوى بإتجاهٍ واحـد ، هو الحـرب التـي أرادها الأمريكيون والصهاينة في لبنـان، واستعدت لها إيران ، وسوريا ، عبـر حزب حسن نصر.
وهذه الحـرب ليست سوى مقدِّمة ، وجـزء ، من صـراع سيطول ، ذلك أنَّ الأمريكيين ليسوا في وضع يسمح لهم بإنتصارات حاسمة وسريعة ، فقـد مضى هذا العهد الأمريكي ، وقد مُرِّغـت أنوفهـم في العـراق ولا تزال ، وسقطت هيبة قوتهم العسكرية ، وأما الكيان الصهيوني ، فهو أيضا في حالة يرثى لهـا ، بل هـو في أسـوء أحواله عبـر تاريخه.
غير أنَّ الإيرانيين يعانون أيضا من اضطرابات في الجبهة الداخلية ، غير ظاهرة للعلن حتى الآن ، وتصدُّع في نفوذهم في العراق بـدا مؤخـّرا في حرب مدينة الصدر ، وتخـوُّف من قدرة المحور الأمريكي الصهيوني على استدراج النظام السوري إلى لعـبة سلام تؤدي إلى تفكك التحالف الصلب مع إيران .
وأمام مشهـد المواجهة العسكرية القادمـة في الساحة اللبنانية ، وتلك التي لاتزال في الساحة العراقية ، ومحاولات الاختراق غير المعلنة للتحالف الإيراني السوري ،
سنشهـد فيما يأتي إنطـلاق ما بشّـر به كثيرٌ من المراقبين بالصيـف الساخن .
وتأتي هذه الحرب في وقت تستثـمر أمريكا جهل ، وغلوّ ، بعض الأوساط الجهادية في الأمـّة ، ذلك الجهـل الذي أثمـر كثيراً من الفوضى ، والعشوائية ، والتخبُّط ، وأدى إلى حرمان الأمّـة من نتائج نافعـة كانت ستذوق حلاوتها لو عقـل أولئك الجُهـَّال سنن الله في أسبابه الكونية ، وفقوا دينـهم في آياته القرآنية.
غير أنه لايزال بحمد لله تعالى كثيرا من جهاد الأمة مسترشد مستبصـر ، ونتوقَّع له ثماراً يانعـة ، ستُؤتي أكلهــا خيرات على أمـّة الإسلام .
وسوف ننشـر بإذن الله تعالى لاحقا دراسة نقدية شاملة لما وقعت فيه بعض التيارات الجهادية من أخطاء في الفكـر ، وأخرى بشعـة في الناحية السلوكية و العملياتيه ، تلك الأخطاء أذهبت كثيراً من بركة جهادها ، لاسيما بعد تعصّبها على موقفها وإعراضها عن نصح الناصحين .
هذا ونسأل الله تعالى أن يجعل عاقبة هذا الصراع بين المشروع الصليبي الصهيوني ، والصفوي الإيراني ، بردا وسلاماً على أمِّة التوحيـد ، وأن يهلك الظالمين بالظالمين ، ويحفظ الإسلام والمسلمين آمين .